سورة النساء - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} يعني من النفاق {فأعرض عنهم} يعني عن عقوبتهم وقيل عن قبول عذرهم {وعظهم} يعني باللسان والمراد زجرهم بالوعظ عن النفاق والكفر والكذب وتخويفهم بعذاب الآخرة {وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً} يعني بليغاً يؤثر في قلوبهم موقعه وهو التخويف بالله عز وجل هو أن يوعدهم بالقتل إن لم يتوبوا من النفاق. وقيل هو أن يقول إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق قتلتم لأن هذا القول يبلغ في نفوسهم كل مبلغ وقيل معناه فأعرض عنهم في الملأ وقل لهم في أنفسهم إذا خلوت بهم قولاً بليغاً أي اغلظ لهم في القول خالياً بهم ليس معهم غيرهم مساراً لهم بالنصيحة لأنها في السر أنجع. وقيل هذا الإعراض منسوخ بآية القتال وقد تكلم العلماء في حد البلاغة فقال بعضهم البلاغة إيصال المعنى إلى الفهم في أحسن صورة من اللفظ وقيل البلاغة حسن العبارة مع صحة المعنى وقيل البلاغة سرعة الإيحاز مع الإفهام وحسن التصرف من غير إدجار. وقيل أحسن الكلام ما قلت ألفاظه وكثرت معانيه وقيل خير الكلام ما شوق أوله إلى سماع آخره وقيل لا يستحق الكلام اسم البلاغة إلاّ إذا طابق لفظه معناه ومعناه لفظه ولم يكن لفظه إلى السمع أسبق من معناه إلى القلب. وقيل المراد بالقول البليغ في الآية أن يكون حسن الألفاظ حسن المعاني مشتملاً على الترغيب والترهيب والإعذار والإنظار والوعد والوعيد بالثواب والعقاب، فإن الكلام إذا كان كذلك عظم وقعه في القلوب وأثر في النفوس.
قوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول} قال الزجاج لفظه من هنا صلة مؤكدة والمعنى وما أرسلنا رسولاً {إلا ليطاع بإذن الله} يعني بأمر الله والمعنى إنما وجبت طاعة الرسول بأمر الله لأن الله أذن في ذلك وأمر به وقيل معناه بعلم الله وقضائه أي طاعته تكون بإذن الله لأنه أذن فيه فتكون طاعة الرسول طاعة الله ومعصيته معصية الله والمعنى وما أرسلنا من رسول إلا فرضت طاعته على من أرسلته إليهم وأنت يا محمد من الرسل الذين فرضت طاعتهم على من أرسلوا إليهم ففيه توبيخ وتقريع للمنافقين الذين تركوا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوا بحكم الطاغوت {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} يعني الذين تحاكموا إلى الطاغوت ظلموا انفسهم بالتحاكم إليه {جاؤوك} يعني جاؤوك تائبين من النفاق والتحاكم إلى الطاغوت متنصلين مما ارتكبوا من المخالفة {فاستغفروا الله} يعني من ذلك الذنب بالإخلاص وبالغوا في الاعتذار إليك من إيذائك برد حكمك والتحاكم إلى غيرك {واستغفر لهم الرسول} يعني من مخالفته والتحاكم إلى غيره وإنما قال استغفر لهم الرسول ولم يقل واستغفرت لهم إجلالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتفخيماً له وتعظيماً لاستغفاره وانهم إذا جاؤوه فقد جاؤوا من خصه الله برسالته وجعله سفيراً بينه وبين خلقه ومن كان كذلك فإن الله تعالى لا يرد شفاعته فلهذا السبب عدل إلى طريقة الالتفات من لفظ الخطاب إلى لفظ الغيبة {لوجدوا الله تواباً رحيماً} يعني لو أنهم تابوا من ذنوبهم ونفاقهم واستغفرت لهم لعلموا أن الله يتوب عليهم ويتجاوز عنهم ويرحمهم.
قوله عز وجل: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} نزلت هذه الآية في الزبير بن العوام ورجل من الأنصار.
(ق) عن عروة بن الزبير عن أبيه أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الأنصاري: سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: «اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك» فغضب الأنصاري ثم قال يا رسول الله إن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال للزبير اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر. فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} زاد البخاري فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذٍ للزبير حقه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك قد أشار على الزبير رأياً أي أراد سعة له وللأنصاري فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم قال الزبير والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك. قوله في شراج الحرة الشراج مسايل الماء التي تكون من الجبل وتنزل إلى السهل الواحدة شرجة بسكون الراء والحرة الأرض الحمراء المتلبسة بالحجارة السود وقوله فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني تغير وقوله فلما أحفظ أي أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله حتى يرجع إلى الجدر هو بفتح الجيم يعني أصل الجدار وقوله فاستدعى له أي استوفى له حقه في صريح الحكم. وهو ان من كان أرضه اقرب إلى فم الوادي فهو أولى بأول الوادي وحقه تمام السقي فرسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للزبير في السقي على وجه المسامحة فلما أبى خصمه ذلك ولم يعترف بما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسامحة لأجله أمر الزبير باستيفاء حقه على التمام وحمل خصمه على مر الحق. فعلى هذا القول تكون الآية مستأنفة لا تعلق لها بما قبلها قال البغوي: روي أنهما لما خرجا مرا على المقداد فقال لمن كان القضاء قال الأنصاري لابن عمته ولوى شدقه ففطن له يهودي كان مع المقداد فقال قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ثم يتهمونه في قضاء يقضي بينهم وايم الله لقد أذنبنا ذنباً مرة في حياة موسى فدعا موسى إلى التوبة منه فقال فاقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفاً في طاعة ربنا حتى رضي عنا.
فقال ثابت بن قيس بن شماس: أما والله إن الله ليعلم مني الصدق ولو أمرني محمد أن أقتل نفسي لفعلت. وقال مجاهد والشعبي نزلت هذه الآية في بشر المنافق واليهودي اللذين اختصما إلى الطاغوت. وعلى هذا القول تكون الآية متصلة بما قبلها فلا وربك معناه فوربك فعلى هذا تكون لا مزيدة لتأكيد معنى القسم. وقيل إن لا رد لكلام سبق كأنه قال ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك ثم استأنف القسم فقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم يعني فيما اختلفوا فيه من الأمور وأشكل عليهم حكمه وقيل فيما التبس عليهم يقال شاجرة في الأمر إذا نازعه فيه وأصله التداخل والاختلاط وشجر الكلام إذا دخل بعضه في بعض واختلط {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت} يعني ضيقاً مما قضيت وقيل شكاً فيما قضيت بل يرضوا بقضائك {ويسلموا تسليماً} يعني وينقادوا لأمرك انقياداً أو لا يعارضونك في شيء من أمرك وقيل معناه يسلموا ما تنازعوا فيه لحكمك.


قوله عز وجل: {ولو أنا كتبنا عليهم} أي فرضنا وأوجبنا عليهم الضمير في عليهم يعود على المنافقين وقيل يعود الضمير على الكافة فيدخل فيه المنافق وغيره {أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم} يعني كما كتبنا على بني إسرائيل القتل والخروج من مصر {ما فعلوه إلاّ قليل منهم} معناه لم يفعله إلا القليل منهم نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أن رجلاً من اليهود قال: والله لقد كتب الله علينا القتل والخروج ففعلنا فقال ثابت: والله لو كتب الله علينا ذلك لفعلنا وهو من القليل الذي استثنى الله وقيل لما نزلت هذه الآية قال عمر وعمار بن ياسر وابن مسعود وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم القليل الذين ذكرهم الله والله لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن من أمتي لرجالاً الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي» ومن قال إن الضمير في عليهم يعود إلى المنافقين قال معنى ما فعلوه إلا قليل منهم يعني رياء وسمعة والمعنى إن ما كتبنا عليهم إلا طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والرضا بحكمه ولو أنا كتبنا عليهم القتل والخروج من الدور والوطن ما كان فعله إلا نفر يسير منهم وقرئ: {إلا قليلاً منهم} بالنصب وتقديره إلا أن يكون قليلاً منهم {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به} يعني ولو أنهم فعلوا ما كلفوا به من طاعة الرسول الله صلى الله عليه وسلم والرضا بحكمه {لكان خيراً لهم} يعني في الدنيا والآخرة وإنما سمي ذلك التكليف وعظاً لأن أوامر الله تعالى وتكاليفه مقرونة بالوعد والوعيد والثواب والعقاب وما كان كذلك يسمى وعظاً {وأشد تثبيتاً} يعني تحقيقاً وتصديقاً لإيمانهم، والمعنى أن ذلك أقرب إلى إثبات إيمانهم وتصديقهم {وإذاً لآتيناهم من لدنّا أجراً عظيماً} يعني ثواباً وافراً جزيلاً وإذاً جواب لسؤال مقدر كأنه قيل ماذا يكون من هذا الخير والتثبيت قال هو أن نؤتيهم من لدنا أجراً عظيماً {ولهديناهم صراطاً مستقيماً} قال ابن عباس معناه ولأرشدناهم إلى دين مستقيم يعني دين الإسلام وقيل معناه ولهديناهم إلى الأعمال الصالحة التي تؤدي إلى المستقيم وهو الصراط الذي يمر عليه المؤمنون إلى الجنة لأن الله تعالى ذكر الأجر العظيم أولاً ثم ذكر الصراط المستقيم بعده لأنه هو المؤدي إلى الجنة.


قوله عز وجل: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} الآية نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه يعرف الحزن في وجهه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما غير لونك» فقال يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع غير أني إذا لم أراك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك. ثم إني إذا ذكرت الآخرة أخاف أن لا أراك لأنك ترفع إلى عليين مع النبيين وإني أخاف إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك وأن لم أدخل الجنة لا أراك أبداً فنزلت هذه الآية وقيل إن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كيف يكون الحال وأنت يا رسول الله في الدرجات العلى ونحن أسفل منك فكيف نراك؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية: {ومن يطع الله} يعني في أداء الفرائض واجتناب النواهي {والرسول} أي ويطع الرسول في السنن التي سنها فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم بالهداية والتوفيق في الدنيا وبدخول الجنة في الآخرة {من النبيين} يعني أن المطيعين مع النبيين في الجنة لا تفوتهم رؤية الأنبياء في الجنة ومجالستهم لأنهم يكونون في درجتهم في الجنة لأن ذلك يقتضي التسوية في الدرجة بين الفاضل والمفضول {والصديقين} الصدّيق الكثير الصدق فعيل من الصدق بكل الدين والصديقون هم أتباع الرسل الذين اتبعوهم على مناهجهم بعدهم حتى لحقوا بهم وقيل الصديق هو الذي صدق بكل الدين حتى لا يخالطه فيه شك والمراد بالصديقين في هذه الآية أفاضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر فإنه هو الذي سمي بالصديق من هذه الأمة وهو أفضل أتباع الرسل {والشهداء} هم الذين استشهدوا في سبيل الله وقيل هم الذين استشهدوا يوم أّحد {والصالحين} جمع صالح وهو الذي استوت سريرته وعلانيته في الخير. وقيل الصالح من اعتقاده صواب وعمله في سنة وطاعة وقيل المراد بالنبيين هنا محمد صلى الله عليه وسلم وبالصديقين أبو بكر وبالشهداء عمر وعثمان وعلي وبالصالحين سائر الصحابة {وحسن أولئك} يعني المشار إليهم وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وفيه معنى التعجب كأنه قال وما أحسن أولئك {رفيقاً} يعني في الجنة والرفيق الصاحب سمي رفيقاً لارتفاقك به وبصحبته وإنما وحد الرفيق وهو صفة الجمع لأن العرب تعبر به عن الواحد والجمع وقيل معناه وحسن كل واحد من أولئك رفيقاً.
(ق) عن أنس ان رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة: فقال متى الساعة قال: «ما أعددت لها قال لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله فقال أنت مع من أحببت» قال أنس فما فرحنا بشيء أشد فرحاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت قال أنس: فأنا أحب النبي وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بأعمالهم. وقوله تعالى: {ذلك} إشارة إلى ما تقدم ذكره من وصف الثواب {الفضل من الله} يعني الذي أعطى الله المطيعين من الأجر العظيم {وكفى بالله عليماً} يعني بجزاء من أطاعه وقيل معناه وكفى بالله عليماً بعباده فهو يوفقهم لطاعته وفيه دليل على أنهم لم ينالوا تلك الدرجة بطاعتهم بل إنما نالوها بفضل الله تعالى ورحمته ويدل عليه ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة» لفظ البخاري ولمسلم نحوه.

10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17